قصة فيلم The Goat Life (2024)

قصة فيلم The Goat Life (2024)
قصة فيلم The Goat Life (2024)


تبدأ رحلتنا داخل صخب مطار الملك خالد الدولي بالرياض، حيث يقف شابان هنديان، "نجيب محمد" وصديقه "حكيم"، أمام ضابط الجوازات. تعلو وجهيهما ملامح القلق والترقب الممزوجة بالارتباك، فهما لا ينطقان حرفاً واحداً من اللغة العربية، وكل محاولاتهما للتواصل مع الضابط تبوء بالفشل. يلقي الضابط نظرة سريعة على أوراقهما، ويختم جوازي السفر بضربة قوية، مشيراً لهما بالمرور دون اكتراث. في صالة الاستقبال، تتضاعف حيرتهما، فعيونهما تبحث بلا جدوى عن "الكفيل" الذي كان من المفترض أن يكون في انتظارهما. يمضي الوقت وهما تائهان وسط الحشود، لا يعرفان إلى من يلجآن. بصيص أمل يلوح لهما حين يلمحان عامل نظافة هندي، فيسارعان إليه طلبًا للمساعدة. يأخذ العامل منهما رقم هاتف "الكفيل" ويجريه من أحد الهواتف العمومية، لكن لا أحد يجيب. يطمئنهم العامل قائلاً إن اليوم هو الجمعة، يوم الإجازة الأسبوعية في المملكة، ومن المرجح أن الرقم يعود للشركة وهي مغلقة. يطلب منهما الانتظار، مؤكداً أن "الكفيل" سيأتي لا محالة، فالازدحام قد يكون سبب تأخيره.

يخرج "نجيب" و"حكيم" إلى الهواء الحار خارج المطار، يستندان إلى أمتعتهما البسيطة، وعيون الأمل لا تزال تحدق في طابور السيارات. بعد فترة من الانتظار القاتل، يقترب منهما رجل عربي يرمقهما بنظرات فاحصة، ويسأل "نجيب" بلهجة جافة: "أنت عبد الله؟". لا يفهم الشابان سؤاله، فيتغير وجه الرجل إلى العبوس، ويتمتم بكلمات غاضبة واصفاً إياهما بالمجانين، ثم يتركهما ويمضي. لكنه سرعان ما يعود، وينتزع منهما جوازي السفر، وبعد أن يقلبهما بين يديه، تعود إليهما ملامحه وقد تبدلت، قائلاً إنه هو الرجل الذي ينتظرانه، ويأمرهما بتبعه إلى سيارته. تغمر الفرحة قلب "نجيب" و"حكيم"، فقد انتهى كابوس الانتظار. يطلب "نجيب" من الرجل بعض الماء ليروي عطشه، فينهره الرجل بصوت عالٍ، ويأمرهما بالصعود إلى السيارة بسرعة. حين يهم "نجيب" بفتح الباب الأمامي، يصرخ "الكفيل" مجدداً ويشير لهما بالصعود إلى الصندوق الخلفي المكشوف لسيارة النقل الصغيرة، مع الأمتعة. يتذمر "حكيم" بصوت خافت، مستغرباً كيف أن الشركة الكبيرة التي جاءا للعمل بها ترسل لهما سيارة كهذه، بينما رأى بأم عينيه عمالاً سريلانكيين كانوا معهما على نفس الطائرة يركبون سيارة حديثة ومكيفة. يسكته "نجيب" راجياً منه الصبر حتى لا يثير غضب الرجل أكثر.


رحلة نحو المجهول وبداية الكابوس

تنطلق السيارة بهما مبتعدة عن أضواء المدينة، غائصة في ظلام الطريق السريع. يتساءل الصديقان كيف سيتمكنان من طمأنة أهلهما بوصولهما. يتجرأ "حكيم" ويقترب من نافذة السائق، طالباً منه التوقف عند أي مكان به هاتف، فيصرخ "الكفيل" مرة أخرى مهدداً إياه بأن الشرطة ستوقفهما إن رأت أحداً واقفاً في الصندوق الخلفي. تستمر الرحلة لساعات طويلة في صمت مطبق، يغفو "حكيم" من شدة الإرهاق، فيقوم "نجيب" بتغطيته بسترته ليحميه من برد الليل الذي بدأ يتسلل. رويداً رويداً، تختفي معالم الحضارة، وتتحول المناظر على جانبي الطريق إلى صحراء شاسعة لا نهاية لها. تتوقف السيارة فجأة في منطقة مقفرة، وينزل "الكفيل"، وينادي على رجل آخر يدعى "خالد"، ثم يأمر "حكيم" بالنزول. يتبع "نجيب" صديقه غريزياً، محاولاً أن يفهم "الكفيل" أنهما من المفترض أن يكونا معاً، وأنهم بحاجة ماسة لهاتف. لكن "الكفيل" يدفعه بقوة إلى السيارة، ويأمره بالبقاء فيها. يحاول "حكيم" يائساً أن يتحدث مع "خالد" باللغة الإنجليزية، لكن دون جدوى. يسحب "خالد" "حكيم" معه خلف بوابة حديدية صدئة ويغلقها، بينما يبقى "نجيب" مذهولاً في السيارة. ينهار "حكيم" ويبدأ بالبكاء والصراخ، منادياً على صديقه ألا يتركه وحيداً، فيصفعه "الكفيل" بقوة ليصمت، وتنطلق السيارة مجدداً، تاركة وراءها صرخات "حكيم" التي تبتلعها وحشة الصحراء.

بعد رحلة أخرى في عمق الصحراء، يصل "نجيب" إلى مزرعة نائية أخرى. ينادي "الكفيل" على رجل يدعى "جاسر"، ويأمره بالاحتفاظ بـ"نجيب" لديه حتى الصباح، ثم يغادر. يحاول "نجيب" مرة أخرى أن يشرح لـ"جاسر" حاجته للهاتف، فيرد "جاسر" بكلمة واحدة: "بكرة"، ويأمره بالنوم. يتلفت "نجيب" حوله، فيرى رجلاً عجوزاً يبدو كشبح، ملابسه بالية وممزقة، وجسده متسخ وكأنه لم يمس الماء منذ دهر. يتفاجأ "نجيب" عندما يكتشف أنه هندي مثله، فيسأله بلهفة عن الهاتف، ويخبره أنه يموت من العطش. يسأله العجوز بسخرية مريرة: "هل تعرف لماذا أحضروك إلى هنا؟"، ثم يشير له إلى برميل ماء. يركض "نجيب" نحو البرميل ويشرب بنهم شديد، حتى يرتوي. فجأة، يفزع من جمل اقترب منه، فيبتعد ويسأل العجوز أين يمكنه النوم، فيجيبه الأخير بلامبالاة: "في أي مكان". يتسلل "نجيب" إلى الخيمة التي ينام فيها "جاسر"، ويفترش قطعة قماش على الأرض الرملية ويستسلم للنوم، وهو لا يدرك بعد أن الجحيم قد فتح أبوابه للتو.


ومضات من حياة مسلوبة

بينما يغرق "نجيب" في نومه القلق، تعود به الذاكرة إلى عالمه الأخضر في كيرالا. نراه شاباً قوياً يعمل في استخراج الرمال من قاع النهر، وهو عمل شاق لكنه كان مصدر رزقه. يعرض عليه زميله سيجارة مستوردة، ويخبره بفخر أن زوج أخته الذي يعمل في السعودية هو من أحضرها. يفتح هذا الحديث باب الأمل أمام "نجيب"، فيعرض عليه زميله المساعدة في الحصول على تأشيرة سفر. يسأل "نجيب" عن التكلفة، فهو لا يملك المال الكافي، وقد يضطر لرهن منزله الصغير. يشجعه زميله، مؤكداً له أن الأمر يستحق، فبضعة أشهر من العمل في الخليج ستغير حياته وتمكنه من استرداد كل شيء وزيادة. بعد العمل، يأخذه زميله لمقابلة "كارفاتا"، وكيل السفر، ويسلمه "نجيب" كل ما يملك من مال ومدخرات وذهب زوجته. يطمئنه "كارفاتا" قائلاً إن هذا هو حال كل المغتربين في البداية. يتسلل الشك إلى قلب "نجيب" فيسأل: "ماذا لو كانت التأشيرة مزورة؟". يستشيط "كارفاتا" غضباً، ويخبره أنه أرسل نصف أهل القرية إلى الخليج، وأن الشركة التي سيذهب إليها "نجيب" يتمناها الجميع، ثم يعيد إليه أمواله كدليل على استيائه من عدم ثقته. يعتذر "نجيب" على الفور، ويقبل "كارفاتا" اعتذاره ويسترد المال.

في لقطة أخرى، نرى زوجة "نجيب"، "سينو"، تجلس مع والدته. تتحدثان عن سفر "نجيب" وعن حياة العرب وحبهم للحم الإبل. تطلب الأم من "سينو" أن تعطي "نجيب" أرقام هواتف إخوته "نصر" و"حسين" الموجودين في السعودية، فقد يحتاج إليهما. لكن ملامح الضيق ترتسم على وجه "سينو"، فقد طلبت منهما المساعدة كثيراً في تأمين تأشيرة لزوجها، لكنهما تجاهلاها تماماً. يعود "نجيب" إلى المنزل، ويطلب من والدته أن تطهو له طبق "البرياني" المفضل لديه كوجبة وداع، ويوصيها بالاهتمام بـ"سينو" التي تحمل طفلهما في أحشائها. يعود بنا المشهد إلى الحاضر القاسي. يستيقظ "جاسر" ليجد "نجيب" نائماً بجواره في الخيمة، فيثور غضبه، ويركله بقوة إلى الخارج، صارخاً فيه بالعربية أنه حيوان مكانه في الخارج مع بقية الحيوانات، ويهدده بكسر ساقيه إن رآه داخل خيمته مرة أخرى. يقف "نجيب" مصدوماً في العراء، لا يفهم شيئاً، ولا يعرف أين يذهب أو ينام في هذا المكان الموحش.


دروس العبودية الأولى

مع بزوغ فجر اليوم التالي، يستيقظ "نجيب" على أصوات الماعز. يرى العامل العجوز وهو يحلب إحدى الماعز، ثم يعطيه وعاء الحليب ويطلب منه أن يأخذه إلى "الكفيل". يظن "نجيب"، الذي لم يفهم كلمة واحدة، أن الحليب له، فيشربه بنهم ليسد جوعه وعطشه. يصرخ فيه العجوز، موضحاً أن الحليب كان لـ"جاسر". يذهب "نجيب" إلى "جاسر" في الخيمة، الذي كان حينها يصلي ويدعو الله أن يحفظه. يأخذ "جاسر" الوعاء الفارغ ويشرب ما تبقى فيه من قطرات، ثم يأمر "نجيب" بالعربية أن يذهب إلى الهندي العجوز ليعلمه الشغل. يبقى "نجيب" واقفاً، محاولاً أن يشرح أنه لا يفهم العربية، فينفجر "جاسر" غاضباً، ويخبره أنه لا يريد أن يسمع لغته الهندية التي تصيبه بالصداع. يخاف "نجيب" ويحاول يائساً أن يوضح له أنه جاء ليعمل في شركة، ويترجاه أن يساعده للعودة إلى المطار. لكن "جاسر" يدفعه بعنف خارج الخيمة، ويلقيه بين قطيع الماعز، ويأمر العجوز بتعليمه عمله الجديد.

في تلك اللحظة، يصل "الكفيل" بسيارته. يركض "نجيب" نحوه، راجياً منه أن يسمح له بإجراء مكالمة هاتفية. يتجاهله "الكفيل" تماماً ويعطيه شوالاً ثقيلاً ليحمله. يحاول "نجيب" مرة أخرى، ذاكراً اسم "كارفاتا"، ويشرح له أنه وُعد بوظيفة في شركة وغرفة مكيفة. يستمر "الكفيل" في تجاهله ويأمره بإدخال الشوال إلى الخيمة. يمتثل "نجيب" للأمر بقلب مثقل باليأس. بعد ذلك، يلقي له "الكفيل" و"جاسر" جلباباً بالياً وحذاءً مهترئاً. في محاولة أخيرة، يخرج "نجيب" جواز سفره والورقة التي تحمل تفاصيل الشركة ورقم "كارفاتا". في حركة صادمة، يمسك "الكفيل" بالورقة ويمزقها، ثم يأخذ جواز السفر ويفعل به الشيء نفسه. ينهار "نجيب" تماماً، ويقع على ركبتيه يلملم قصاصات الورق الممزقة من على الرمال قبل أن تذروها الرياح، وينظر إلى الرجلين بنظرة تمزج بين القهر والحزن العميق، مدركاً أنه وقع في فخ لا مفر منه. لاحقاً، بينما يخبز الرجلان الخبز، يناديان على "نجيب" الذي يتجاهلهما. يعرضان عليه الخبز، فيغلبه الجوع ويذهب ليأخذ رغيفاً ويأكله بشراهة، فيشرق به. يعطيه "جاسر" كوباً من الماء ويعلمه أن يغمس الخبز في الماء ليصبح طرياً. بعد ذلك، يذهب "نجيب" إلى العجوز ويسأله عن مخرج من هذه الصحراء، فيجيبه العجوز بنبرة مهزومة: "الطريق بعيد جداً"، ثم يتركه ويمضي، تاركاً "نجيب" وحيداً مع ذكرياته.


التكيف مع الجحيم وفقدان الإنسانية

يجلس "نجيب" وحيداً، فتغزوه ذكريات زوجته "سينو"، فرحتهما عندما علما بحملها، واتفاقهما على تسمية المولود "صفية" لو كانت بنتاً، أو "نبيل" لو كان ولداً. يتذكر يوم سفره ودموع والدته وزوجته، ووصية أمه له بأن يعتني بنفسه فهذه أول مرة يبتعد فيها عنهما. يفيق من ذكرياته على واقع مرير. عندما يحتاج لقضاء حاجته، يذهب بين الماعز، وحين يستخدم القليل من الماء الثمين لتنظيف نفسه، يراه "جاسر" فيثور ويصرخ فيه، موضحاً أن الماء ليس مجانياً ليُهدر في النظافة الشخصية. يتدخل العجوز ويخبر "نجيب" بهدوء قاتل أن عليه من الآن فصاعداً أن يستخدم الرمل للتطهر. في أحد الأيام، يصل سائق صهريج المياه، وهو هندي أيضاً، لتعبئة الخزان. يركض "نجيب" إليه ويتوسله أن يأخذه معه ويوصله إلى أي طريق عام. في تلك اللحظة يصل "الكفيل" ويواجه السائق، متهماً إياه بمحاولة تهريب "نجيب". ينكر السائق، فيصب "الكفيل" كل غضبه على "نجيب"، ويبدأ بضربه بالسوط (العقال). بشكل غريزي، يمسك "نجيب" بيد "الكفيل" ليمنعه، فيُجن جنون الأخير من هذه الجرأة، ويركض إلى الخيمة ويعود ببندقية صيد. يوجهها إلى "نجيب" الذي يحاول حماية نفسه، فيضربه "الكفيل" بعقب البندقية على رأسه، فيسقط "نجيب" على الأرض، بينما يواصل "الكفيل" تهديده بالقتل والدفن في هذه الصحراء. وهو ملقى على الأرض، يرى "نجيب" الماء ينساب من الخزان على الرمل، فتتداعى في رأسه صور النهر في قريته، ولحظاته السعيدة مع "سينو" وهما يسبحان معاً، ويوم زفافهما. يفيق من هذه الذكريات المؤلمة على واقع عذابه، فينفجر في بكاء مرير، منادياً اسم "سينو" بأعلى صوته.

في إحدى الليالي، يرى العجوز يرعى الإبل ويغني أغنية حزينة وغريبة، فيسأله "نجيب" منذ كم سنة وهو على هذا الحال، فيجيبه العجوز بالأغنية، ويبدو واضحاً أن عقله قد فارقه وأن سنوات العذاب قد أفقدته صوابه. في صباح اليوم التالي، يوقظ "جاسر" "نجيب" بعنف ويأمره بحلب الماعز. يصدم "نجيب" فهو لم يفعل ذلك في حياته، لكنه يضطر للمحاولة. ترفضه إحدى الماعز وترفسه، فينهره "جاسر" ويعلمه بالقوة كيف يسيطر عليها ليحلبها. يسأل "نجيب" عن العجوز الذي اختفى فجأة، فيتجاهله "جاسر" تماماً. بعد قليل، يرى "نجيب" خروفين يتناطحان بعنف، فيحاول التدخل لفض اشتباكهما، فيظن أحدهما أنه يتحداه، وينطحه بقوة فيسقط على الأرض فاقداً للوعي. يصل "الكفيل" ويطلق طلقة في الهواء من بندقيته لتتفرق الحيوانات، ثم يسكب الماء على وجه "نجيب" ليفوقه، ويأمره بجمع القطيع المتناثر مهدداً إياه بحرمان الجميع من الماء إن لم يفعل. ينهض "نجيب" بالكاد، جسده كله يؤلمه، وفي تلك اللحظة، تقترب منه عنزة وتقف بجانبه، وكأنها تشعر بألمه، ثم تبدأ بالثغاء، فتتجمع حولها بقية الماعز والخراف دون أن يضطر "نجيب" لمطاردتها. يشعر "نجيب" أن هذه رحمة إلهية نزلت عليه، فيحتضن العنزة وينفجر في بكاء من الفرح والامتنان.


سنوات الضياع وبصيص الأمل

تمر الأيام والشهور والسنوات، ويتحول "نجيب" إلى كائن آخر. ينمو شعره ولحيته بشكل كثيف، وتتشقق بشرته، وتصبح رائحته كرائحة الماعز التي يعيش معها. في أحد الأيام، يلمح انعكاسه في مرآة السيارة الجانبية، فيصعق من هول المنظر، فهو لم يعد يتعرف على هذا الشخص المشوه الذي يحدق به. يراه "الكفيل" فيحطم المرآة بغضب، ويسأله ساخراً: "هل تظن نفسك وسيماً؟". يأخذ "نجيب" قطعة من الزجاج المكسور ويحاول يائساً أن يقص لحيته، لكنه يفشل وينهار باكياً. في لحظة يأس مطبق، يقرر الانتحار، لكنه يرى صقوراً تحوم فوق جثة في الصحراء. عندما يقترب، يكتشف أنها جثة العامل العجوز، فينهار أكثر ويقاتل الطيور الجارحة ليبعدها عن الجثة. يعود إلى كوخه، ويفتح برطمان المخلل الذي أعطته له أمه قبل سفره، يستنشق رائحة الوطن ويبكي منادياً أمه، يشكو لها عذابه وحاجته إليها. ثم يبدأ بالجري في الصحراء بلا هدف، فيلحق به "الكفيل" على ظهر جمله، ويطلق النار على ساقه، ثم ينزل ويبرحه ضرباً، ويدوس على يديه وقدميه وهو يصرخ فيه: "أنت كلب!". في تلك الليلة، يجد "نجيب" نفسه مربوطاً مع الحيوانات، لكنه يتمكن من فك قيوده. يحاول المشي لكن الألم لا يطاق، فيزحف إلى حوض ماء الحيوانات ويشرب منه ليسد عطشه الشديد.

في يوم ماطر نادر، بينما يحتمي القطيع تحت صخرة، يخرج "نجيب" قطعة الخبز الصغيرة التي يملكها، يأكل جزءاً منها، ويفتت الباقي للماعز ليأكلوا معه، فرغم جوعه الشديد، لم يهن عليه أن يراهم جائعين. فجأة، يسمع صوت قطيع آخر قادم من بعيد. يذهب ليستطلع الأمر، فتكون المفاجأة التي ستغير مصيره. إنه "حكيم"! بالكاد يتعرف عليه من صوته، فقد تغير شكله هو الآخر وأصبح مثل "نجيب"، كائناً برياً أشعث. يخبره "حكيم" على الفور أنهما يجب أن يهربا. لكن "نجيب" يرد بيأس، فقد حاول وفشل، وفقد كل أمل. بعد أيام، يلمح "حكيم" يترك له رسالة. ينتظر حتى يغادر "الكفيل"، ثم يذهب ليقرأها. يخبره "حكيم" أن كفيله ضربه بقسوة لأنه رآه يتحدث معه، ولكنه يخبره أيضاً عن رجل أفريقي يعمل معهم اسمه "إبراهيم"، وأنه قد يساعدهما في الهرب. يتجدد الأمل في قلب "نجيب" من جديد. لاحقاً، يلتقي الثلاثة سراً. يرحب به "إبراهيم"، ويخبرهما بالخطة: بعد أيام قليلة، ستقام حفلة زفاف ابنة "الكفيل"، وسيكون الجميع مشغولين في الاحتفال، وهذه هي فرصتهم الذهبية التي لن تتكرر.


الهروب الكبير ورحلة الموت

في الليلة التي تسبق الزفاف، بينما "نجيب" مربوط كالعادة مع الماعز، يأتيه "الكفيل" ويعطيه قطعة لحم، في لفتة نادرة من الشفقة المشوبة بالاستعلاء. مع بزوغ الفجر، يغادر "جاسر" إلى حفل الزفاف، موصياً "نجيب" برعاية القطيع حتى عودته في اليوم التالي. ما إن يختفي "جاسر" عن الأنظار، حتى يركض "نجيب" ويفتح صنبور الماء. يشرب حتى يرتوي، ثم يقف تحت الماء المتدفق ويستحم لأول مرة منذ سنوات، ويبكي بحرقة وهو يستعيد الإحساس المفقود بلمس الماء لجسده. يرتدي ملابسه التي جاء بها من الهند، فيجدها فضفاضة جداً على جسده الهزيل. قبل أن يغادر، يضع الطعام والماء للجمال والماعز، ويودعهم بنظرة حزينة، فهذه الكائنات كانت رفقته الوحيدة في جحيمه. ثم يأخذ حقيبته الصغيرة وينطلق مع "حكيم" و"إبراهيم" نحو المجهول. مع حلول الليل، ينهار "حكيم" من التعب والعطش. يتسلل "إبراهيم" إلى خيمة قريبة ليجلب بعض الماء، لكن أصحاب الخيمة يظنونه لصاً ويطلقون عليه النار، فيضطر الثلاثة للهرب والركض للنجاة بحياتهم.

في اليوم التالي، يجدون أنفسهم في بحر شاسع من الرمال تحت شمس حارقة. يسأل "حكيم" "إبراهيم" إن كانوا يسيرون في الاتجاه الصحيح، فيخبره الأخير أن عليهم اتباع اتجاه الشمس. يصادفون جثة جمل متحللة، فيصيب "حكيم" الرعب، متخيلاً أن هذا سيكون مصيرهم. يتوضأ الثلاثة بالرمل ويصلون جماعة، ليكتشفوا فجأة أنهم يقفون وسط وكر للأفاعي. ينقذ "إبراهيم" "حكيم"، ويطلب من "نجيب" الثبات في مكانه حتى تمر الأفاعي بسلام. يتعب "نجيب" وتتورم قدماه من حرارة الرمال، فيمزق "إبراهيم" قطعة من ملابسه ويلفها حول قدمي "نجيب". يواصلون المسير، ويسقط "حكيم" مراراً، وفي إحدى المرات، يصرخ في وجه "إبراهيم" متهماً إياه بأنه السبب في معاناتهم، وأن حياتهم بين الأغنام كانت أرحم. تتدهور حالة "حكيم" العقلية، فيبدأ بالهلوسة ويرى الماء في الرمال ويأكلها. فجأة، يسقط أرضاً وينزف دماً من فمه. ينهار "نجيب" وهو يرى صديقه يحتضر بين ذراعيه. يدرك "إبراهيم" أن النهاية قد حانت، وبالفعل، يلفظ "حكيم" أنفاسه الأخيرة. في تلك اللحظة، تهب عاصفة رملية عنيفة. يرفض "نجيب" ترك جثة صديقه، فيضطر "إبراهيم" لحمله بالقوة ليبتعدا عن العاصفة التي تبتلعهما.


الخلاص من الصحراء والعودة إلى الإنسانية

عندما تهدأ العاصفة، يكون "نجيب" قد انهار نفسياً تماماً، يرفض التحرك ويستسلم لليأس. يجبره "إبراهيم" على مواصلة المسير. بعد فترة، يسقط "إبراهيم" هو الآخر، غير قادر على المشي. فجأة، يلمح "نجيب" سحلية تمر بجانبهم، فيتبعها بغريزته، ليجدوا بركة ماء صغيرة تحيط بها بعض أشجار النخيل المثمرة بالبلح. يمنع "إبراهيم" "نجيب" من الشرب بنهم، ويسقيه قطرة بقطرة حتى يعتاد جسده على الماء من جديد. بعد أن يستريحا قليلاً ويأكلا بعض التمر، يواصلان المسير، فيجدان غلاف بسكويت وآثار إطارات سيارة على الرمال. يفرحان بشدة، معتقدين أنهما اقتربا من الطريق. يتبعان الآثار، لتكون الصدمة عندما يجدان أنها تنتهي إلى لا شيء، مجرد سراب آخر من الأمل. يعود اليأس ليخيم عليهما. عندما يستيقظ "نجيب" من نومه، يجد أن "إبراهيم" قد اختفى، تاركاً له زجاجة الماء المتبقية وحبة تمر. يدرك "نجيب" أن صديقه قد استسلم وقرر إنهاء حياته.

يكمل "نجيب" طريقه وحيداً، وبعد أن يشرب آخر قطرة ماء ويأكل آخر حبة تمر، يصل أخيراً إلى طريق إسفلتي. يقف في منتصف الطريق، منهكاً، ويحاول إيقاف السيارات المارة، لكن لا أحد يتوقف له، فالجميع خائف من هيئته المرعبة. يستمر على هذا الحال طوال الليل. في صباح اليوم التالي، وكأنها رحمة من السماء، تتوقف سيارة بجانبه. ينزل منها رجل طيب، يرى حالته المزرية فيشفق عليه. يخاف "نجيب" في البداية، لكن الرجل يطمئنه، ويساعده على ركوب السيارة، ويعطيه الماء ليروي عطشه. ينظر الرجل إلى "نجيب" بحزن وشفقة، متعجباً مما يمكن أن يوصل إنساناً إلى هذه الحالة. يصلان إلى المدينة، ولا يصدق "نجيب" أنه نجا. يشكر الرجل الطيب وهو يبكي بحرقة. يمشي "نجيب" في الشوارع تائهاً، حتى تلمحه مجموعة من العمال الهنود، فيأخذونه إلى مسكنهم، ويساعدونه على الاستحمام، ويقصون شعره ولحيته، ويحضرون له ممرضاً هندياً ليعالجه من الحمى ويعطيه الفيتامينات. يساعده أحدهم على الاتصال بأهله. ما إن يسمع صوت زوجته، حتى ينهار في بكاء لا يتوقف، ويزداد بكاؤه عندما يسمع صوت ابنه الصغير لأول مرة، وتخبره "سينو" أنها أسمته "نبيل"، كما اتفقا.


صدمة الحقيقة والطريق إلى الوطن

يذهب "نجيب" إلى مركز الشرطة ليبدأ إجراءات استخراج أوراق ثبوتية جديدة. هناك، يرى صورة "إبراهيم" معلقة على لوحة المفقودين. لاحقاً، يتم القبض عليه مع مجموعة أخرى من العمال الهاربين من كفلائهم. يتملكه الرعب وهو يرى أحد الكفلاء يضرب عاملاً هارباً بعنف أمام أعين الشرطة. يزداد رعبه عندما يرى "كفيله" يتجه نحوه. يقترب منه الرجل، وينظر إليه، ثم يقول بنبرة ساخرة: "لو كنت كفيلك الحقيقي، لكنت أريتك العذاب الحقيقي على هروبك". في تلك اللحظة، تضربه الحقيقة كالصاعقة. هذا الرجل لم يكن كفيله الحقيقي أبداً. لقد كان مجرد محتال وخاطف، استغل جهله باللغة وضياعه في المطار ليسرقه ويستعبده لسنوات. ينهار "نجيب" تماماً، مدركاً أن كل معاناته كانت نتيجة عملية نصب وخداع وحشية. يقضي "نجيب" ثلاثة أشهر في السجن، حتى يصدر أمر ترحيله إلى بلاده. في المشهد الأخير، نراه في المطار، يستعد للصعود إلى الطائرة. بينما يحمل المسافرون الآخرون حقائب مليئة بالأجهزة الإلكترونية والهدايا، لم يكن "نجيب" يحمل معه شيئاً سوى بقايا عمره وصحته المنهوبة، وروح حطمتها سنوات العذاب، ولكنه نجا ليروي قصته.

إرسال تعليق